ميزان الرفعة في الدنيا والآخرة
إذاً فخير الدنيا، وخير الآخرة -وهي خير وأبقى- كله يكون بالتمسك والاهتداء بهدى الله تبارك وتعالى، وبأن يكون الميزان والمعيار هو التقوى، ولا شيء غير ذلك إلا ما شرعه الله عز وجل، وجعله معياراً، فلا ينكر فضل صاحب نسب، ولا ينكر فضل صاحب مهنة أو عمل فضّله الشرع، فكل ما فضله الشرع فهو مفضل، والمعيار الذي يوزن به الناس هو الشرع، هذا هو المقصود.
وأما أن توضع أي اعتبارات جاهلية أخرى فإن الأمة لا تجني من وراء ذلك إلا الفرقة والتمزق، ولا تجني إلا الدمار، وضياع الأعمار، وإهدار الطاقات، وإهدار الثروات، وزرع الضغائن والأحقاد في النفوس والقلوب، ومن هنا يدخل العدو. وهذه الأمة التي يكون هذا حالها إذا جاء العدو وحاربها؛ فإن كل طائفة من طوائفها تتشفى بما يقع على الطائفة الأخرى، حتى إنك لتتعجب أحياناً من حال بعضهم؛ فإذا جاءت معركة يتمنى بعض الجند أو بعض الكتائب من الجيش أن العدو يسلط على الكتيبة الأخرى ويهلكها، مع أنها منهم؛ بسبب الضغائن، والأحقاد، فيفضل الإنسان العدو البعيد وإن كان أشد عداوة، وعدواً للجميع، لكن يقول: هو لم يؤذني، ويقدمه على هذا الذي يعتبره عدواً، وربما كان أخاً له في الإسلام، وليس بينهما ما يوجب العداوة قط، وإنما هو تزيين من الشيطان، وهذه جاهلية مترسخة في أنفسهم، نسأل الله العفو والعافية.
فهذه قضية مجملة عامة ما أحببنا أن نتجاوزها إلى غيرها حتى نجلي ونوضح القول فيها ولو على سبيل الإجمال.